الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي: كوعل ناطح، وهو كثير.والرحمة: لغة: الرقة والانطاف، ومنه اشتقاق الرحمن، وهي البطن؛ لانعطافها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفه تعالى بالرحمة مجازا عن إنعامه على عباده، كالملك إذا عطف على رعيته أصابهم خيره، هذا معنى قول أبي القاسم الزمخشري- رحمه الله تعالى- ويكون على هذا التقدير صفة فعل، لا صفة ذات.وقيل: الرحمة: إرادة الخير لمن أراده الله بذلك ووصفه بها على هذا القول حقيقة، وهي حينئذ صفة ذات، وهذا القول هو الظاهر.وقيل: الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد، وإذا وصف به البارئ تعالى فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي: الرحمة من الله تعالى إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف.وقال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة.قال الخطابي: وهو مشكل؛ لأن الرقة لا مدخل لها في صفاته.وقال الحسين بن الفضل: هذا وهم من الراوي؛ لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر والرفق من صفاته.قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف»؛ ويؤيده الحديث الآخر. وأما الرحيم فهو الرفيق بالمؤمنين خاصة.واختلف أهل العلم في أن {الرحمن الرحيم} بالنسبة إلى كونهما بمعنى واحد، أو مختلفين؟فذهب بعضهم: إلى أنهما بمعنى واحد كندمان ونديم، ثم اختلف هؤلاء على قولين:فمنهم من قال: يجمع بينهما؛ تأكيدا.ومنهم من قال: لما تسمى مسيلمة- لعنه الله- بالرحمن قال الله تعالى لنفسه: {الرحمن الرحيم} فالجمع بين هاتين الصفتين لله- تعالى فقط. وهذا ضعيف جدا؛ فإن تسميته بذلك غير معتد بها ألبتة، وأيضا: فإن {بسم الله الرحمن الرحيم} قبل ظهور أمر مسيلمة.ومنهم من قال: لكل واحد فائدة غير فائدة الآخر، وجعل ذلك بالنسبة إلى تغاير متعلقهما؛ إذ يقال: رحمان الدنيا، ورحيم الآخرة، ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظّم وذلك لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمن والكافر، وفي الآخرة تخص المؤمنين فقط.ويروى: رحيم الدنيا، ورحمان الآخرة وفي المغايرة بينهما بهذا القدر وحده نظر لا يخفى.وذهب بعضهم إلى أنهما مختلفان، ثم اختلف هؤلاء أيضا:فمنهم من قال: الرحمن أبلغ؛ ولذلك لا يطلق على غير البارئ- تعالى-، واختاره الزمخشري، وجعله من باب غضبان وسكران للممتلئ غضبا وسكرا؛ ولذلك يقال: رحمان الدنيا والآخرة، ورحيم الآخرة فقط. قال الزمخشري: فكان القياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى كما يقال: شجاع باسل ولا يقال: باسل شجاع.ثم أجاب: بأنه أردف {الرحمن} الذي يتناول جلائل النعم وأصولها ب {الرحيم} ليكون كالتتمة والرديف؛ ليتناولما دق منها، ولطف.ومنهم من عكس: فجعل {الرحيم} أبلغ، ويؤيده رواية من قال: رحيم الدنيا، ورحمان الآخرة؛ لأنه في الدنيا يرحم المؤمن والكافر، وفي الآخرة لا يرحم إلا المؤمن.لكن الصحيح أن {الرحمن} أبلغ، وأما هذه الرواية فليس فيها دليل، بل هي دالة على أن {الرحمن} أبلغ؛ وذلك لأن القيامة فيها الرحمة أكثر بأضعاف، وأثرها فيها أظهر على ما يروى: «أنه خبأ لعباده تسعا وتسعين رحمة ليوم القيامة».والظاهر أن جهة المبالغة فيهما مختلفة؛ فمبالغة فعلان من حيث: الامتلاء والغلبة، ومبالغة فعيل من حيث: التكرار والوقوع بمحال الرحمة.وقال أبو عبيدة: وبناء فعلان ليس كبناء فعيل؛ فإن بناء فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل، نحو: رجل غضبان للممتلئ غضبا، وفعيل يكون بمعنى الفاعل، والمفعول؛ قال الشاعر: الطويل: ف {الرحمن} خاص الاسم، عام الفعل، و{الرحيم} عام الاسم، خاص الفعل؛ولذلك لا يتعدى فعلان ويتعدى فعيل.حكى ابن سيده: زيد حفيظ علمك وعلم غيرك.والألف واللام في {الرحمن} للغلبة كهي في الصعق، ولا يطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء- رحمهم الله تعالى- لقوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] فعادل به ما لا شركة فيه بخلاف رحيم، فإنه يطلق على غيره- تعالى-قال في حقه- عليه الصلاة والسلام-: {بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].وأما قول الشاعر في حق مسيلمة الكذاب- لعنه الله تعالى: البسيط: فلا يلتفت إلى قوله، لفرط تعنتهم.ولا يستعمل إلا معرفا بالألف واللام أو مضافا، ولا يلتفت لقوله: لا زلت رحمانا؛ لشذوذه.ومن غريب ما نقل فيه أنه معرب؛ ليس بعربي الأصل، وأنه بالخاء المعجمة، قاله ثعلب، والمبرد، وأنشد قول القائل: البسيط: قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: إنما جاز حذف الألف قبل النون من لفظة {الرحمن} في الخط على سبيل التخفيف، ولو كتب بالألف حسن، ولا يجوز حذف الياء من الرحيم؛ لأن حذف الألف من الرحمن لا يخل بالكلمة، ولا يحصل في الكلمة التباس، بخلاف حذف الياء من الرحيم.قال ابن الخطيب: أجمعوا على أن إعراب {الرحمن الرحيم} هو الجر؛ لكونهما صفتين للمجرور، إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب الحال، أما الرفع فعلى تقدير: بسم الله هو الرحمن.وأما النصب فعلى تقدير: بسم الله أعني الرحمن الرحيم.وفي وصل {الرحيم} ب {الحمد} ثلاثة أوجه:الذي عليه الجمهور: {الرحيم} بكسر الميم موصوفة ب {الحمد} وفي هذه الكسرة احتمالان:أحدهما: وهو الأصح: أنها حركة إعراب.وقيل: يحتمل أن الميم سكنت على نية الوقف، فلما وقع بعدها ساكن حركت بالكسر.والثاني: من وجهي الوصل: سكون الميم والوقف عليها، والابتداء بقطع الألف {ألحمد} روت ذلك أم سلمة- رضي الله عنها وعليه الصلاة والسلام-.الثالث: حكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ {الرحيم الحمد} بفتح الميم، ووصل ألف الحمد كأنها سكنت الميم، وقطعت الألف، ثم أجرت الوقف مجرى الوصل، فألقت حركة همزة الوصل على الميم الساكنة.قال ابن عطية- رحمه الله تعالى-: ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت.ولهذا نظير يأتي تحقيقه- إن شاء الله تعالى- في: {الم الله} [آل عمران: 1، 2].ويحتمل هذا وجها آخر، وهو: أن تكون الحركة للنصب بفعل محذوف على القطع، وهو أولى من هذا التكلف، كالقراءة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل وعظّم وفخّم.
|